محمود درويش
محمود درويش




كتاب سليم بركات على أرفف المكتبات منذ السبت الماضي.
كتاب سليم بركات على أرفف المكتبات منذ السبت الماضي.




سليم بركات
سليم بركات




حافظ البرغوثي
حافظ البرغوثي




شوقي بزيع
شوقي بزيع




ماهر كيالي
ماهر كيالي
-A +A
علي مكي (جدة) ali_makki2@
في الوقت الذي بدأت المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بحسب ماهر كيالي، منذ صباح السبت الماضي توزيع كتاب سليم بركات «لوعة كالرياضيات وحنين كالهندسة» لا تزال أصداء مقال الشاعر بركات الذي أشار فيه إلى ابنة غير شرعية للشاعر محمود درويش، تتوالى على منصات الواقع الحقيقي والافتراضي ولكن من أجل استجلاء الحقيقة من منابعها بعد أن فجر المؤلف قنبلته وبررها الناشر ماهر كيالي بأن بركات ألقاها والصحيفة نشرتها وأسرته هي من تمتلك حق الاعتراض عليها.

«عكاظ» توجهت إلى أسرة درويش مباشرة وبعد عدة محاولات جاء الرد محبطاً:


«أخوه أحمد غير قادر على الكلام حالياً كونه مريضاً وعمره 88 سنة وأجرى العملية التي أودت بحياة محمود ثلاث مرات آخرها قبل فترة قصيرة».

أما أحد المقربين منه تماماً وهو شخصية قيادية ومعروفة في السلطة الفلسطينية، طلب عدم نشر اسمه، فعلق قائلاً: «هاي مش قضية حتى نحسبها كذلك. شاعر مأزوم ومعزول كتب مقالاً قبل 8 سنوات ويريد الطفو على السطح بإعادة نشره»!

ولأن الموضوع أصبح شأناً عاماً توجهنا للشاعر العربي شوقي بزيع الذي يعتبر الأقرب في مسيرته الرائعة من سيرة درويش فأجاب قائلاً:

«دعنا ننطلق بدايةً من حقيقة كون الشعراء والكتاب والمبدعين ليسوا معصومين عن الخطأ وليسوا في موقع القداسة والتنزيه وهم يرتكبون كغيرهم أخطاءً وهِناتٍ قد تكون هينة حيناً وخطيرة حيناً آخر.. وبدليل أن هناك ترابطاً ما بين الانحراف في النص الذي يسمى المجاز وفق التعبير العربي الشائع، أي أخذ الدال بعيداً عن مدلوله الأساسي وبين الانحراف السلوكي المتأتي عن خصوصية الشاعر وتكوينه، فهو شخص مرهف شخص غير ممتثل لسُلم القيم العادي».

وأضاف بزيع: لا يقبل أن يقدم الطاعة بشكل عشوائي لأي منظومة أخلاقية أو غير أخلاقية، ولكن له أنماط سلوكه الخاصة به وأنا لا أدعو ولا أدافع هنا طبعاً عن شذوذ الكاتب وعن انحرافاته ولكن أدعو إلى تفهمها لو حصلت.. في أي حال الفرق بين السيرة الذاتية التي ازدهرت في الغرب والسيرة الذاتية المختلفة في المشرق هو كون الكتاب الغربيين يتحدثون عن سيرتهم كما عاشوها، يتحدثون عن حياتهم كما عاشوها على أرض الواقع وبكل ما فيها من أخطاء وخطايا بينما عندنا في المشرق نتكلم عن سيرتنا كما نرغب لأنفسنا أن نكون، وهذا شيء ضد الأدب! وإذا كان محمد شكري قد حقق إصابة هامة في مرمى الإبداع وخاصة على مستوى السيرة الذاتية في كتاب الخبز الحافي فإنما حصل ذلك لتجرؤ محمد شكري على اعترافات لم يجرؤ عليها أحد من قبل، ولكن هنا الفارق بين ما فعله محمد شكري وما فعله سليم بركات هو أن محمد شكري هو الذي اعترف عن حياته الخاصة ولم يقم أحد بالنيابة عنه، ولم يقم أحد بعد موته ليقول لقد فعل محمد شكري هذا الشيء أو ذلك الشيء.

المشكلة هنا أن محمود ليس حياً لكي يدافع عن نفسه وليس هناك من سبيل لتأكيد الواقعة أو نفيها فما الذي حدا بسليم بركات لذلك؟! وهو الصديق الصدوق والأثير لمحمود ما الذي حدا به لكي يقرّ الآن وهو في معرض نشر كتاب له أن يتحدث عن مثل هذه الواقعة أو يفشي هذا السر فيما لو كان حقيقياً، فَهنا المسألة تتصل فعلاً بالوفاء وتتصل بالمشروعية والتي لا أراها متوفرة على الإطلاق، لأنه ليس هناك من أحد يستطيع أن يؤكد أو ينفي أن يكون لمحمود درويش ابنة غير شرعية ومن امرأة متزوجة، وللأسف سليم بركات لم يسأل عن تبعات مثل هذه القضية على عائلة بأكملها يمكن لها أن تتدمر.. لم يسأل عن الفتاة، لم يسأل عن الأم، لم يسأل على الأقل على الأب غير البيولوجي.

وحول مسألة التهمة علق قائلاً: هذه مسألة تذكرني الآن بما فعله زياد الرحباني حين تخاصم مع امرأته وحين لَمس بأن ليس هناك شبه بينه وبين ابنه عاصي ولذلك أصرّ على أن يجري فحوصات الـDNA لابنه وتبين أنه ليس ابنه الحقيقي! وطبعاً كانت مسألة قاسية جداً بالنسبة للناس خاصة بما يتمتع به أهل الرحباني من سمعة في العالم العربي، وكلنا طبعاً نعتبرهم عائلة متميزة على المستوى الإبداعي.. فأنا أعتقد بأن ما حدث غير مبرر وليس في مكانه أبداً، أما محمود فلا أعتقد بأن هناك ما يمكن أن يؤثر عليه! خاصةً وأنه بعد 12 عاماً على رحيله نجده الأكثر حضوراً الآن عبر نصوصه التي تُقرأ أينما كان على مواقع التواصل الاجتماعي مثل منصة الفيسبوك والإنستغرام والتويتر وغير ذلك.. وأيضاً في الأمسيات تتعزز أسطورته يوماً بعد يوم وهي أسطورة لن ينال منها أحد.

كان درويش تنبأ في قصيدته في منتصف الثمانينات رأيت الوداع الأخير ضمن ديوانه «ورد أقل» سنة 1986، بما يحدث الآن حيث قال ويكفي أن أورد القصيدة كرد على الأقاويل:

رأيت الوداع الأخير: سأودع قافية من خشب

سأرفع فوق أكف الرجال، سأرفع فوق عيون النساء

سأرزم في علم، ثم يحفظ صوتي في علب الأشرطة

ستغفر كل خطاياي في ساعة، ثم يشتمني الشعراء.

سيذكر أكثر من قارئ أنني كنت أسهر في بيته كل ليلة.

ستأتي فتاة وتزعم أني تزوجتها منذ عشرين عاماً.. وأكثر.

ستروى أساطير عني، وعن صدف كنت أجمعه من بحار بعيدة.

ستبحث صاحبتي عن عشيق جديد تخبئه في ثياب الحداد.

سأبصر خط الجنازة، والمارة المتعبين من الانتظار.

ولكنني لا أرى القبر بعد. ألا قبر لي بعد هذا التعب؟

البرغوثي: قصتان وقصيدة تفضح مزاعم المقال

من جانبه، أكد الكاتب الفلسطيني حافظ البرغوثي، وهو أحد أصدقاء الراحل محمود درويش المقربين، أنه لا يجد مبرراً للجدل الدائر حول ما ورد في مقال قديم للشاعر سليم بركات نشره قبل ثماني سنوات وسيعاد نشره في كتاب ويتحدث في فقرة منه عن أن الشاعر الكبير محمود درويش كشف له أن له ابنة من سيدة اتصلت لتبلغه بذلك. وأضاف البرغوثي: «لدرويش أصدقاء كثر، ربما أن علاقته مع بعضهم كانت أوثق من علاقته مع بركات فلماذا اختار بركات ليكشف له عن أبوته غير الشرعية! ولست هنا للخوض في سيرة هذه الأبوة لكن أزعم أنني مهتم بهذه الابنة المتخيلة لأنها ربما تكون ورثت بعضاً من عبقرية والدها مثلي مثل صديق عمره المخضرم ياسر عبد ربه وتتحول إلى مشروع أدبي جديد على خطاه مثلاً وأقول أقرب صديق لأن درويش هو من ذكر لي ذلك عن ياسر. فدرويش كما عرفناه رجل رقيق المشاعر فكيف يضحي بابنة ولا يترك أثراً يشير إليها كأثر الفراشة وهو الذي عاش حقبة طويلة مريضاً يراقب ساعة الزمن وهي تختصر عمره!

ودرويش خاض لجة بحر الأنوثة كما لم يخضها غيره، وله العشرات من أمثال ريتا في بداية طلته الشعرية يهوديات وأجنبيات وعربيات أكثر، وكلنا نعرف قصصاً عن مغامرات لأنه كان معشوق النساء، أنيقاً رقيقاً حسن الكلام والمظهر لديه سحر خفي يكمن تحت نظارتيه وابتسامته الناعسة التي تنفجر مع روايته لإحدى قفشاته وتعليقاته السريعة الساخرة.

ويحكي البرغوثي قصة دالة لدرويش مع عدد من النساء منها: وحدث أن كانت هناك سيدة حلبية ادعت لفترة أنها زوجة درويش وكانت مصابة بمس جني أو جنوني درويشي جعلها تروج وتعتقد أنها زوجته مع أنه لم يعرفها قط، وكل معارف درويش يعرفون هذه الحكاية وغيرها. وأزعم أن شاعراً مرهفاً مثله لا يمكن أن يضحي بالأبوة ولو كانت ظروفها غير طبيعية، ويكفي أن أذكر هنا ما رواه لي في آخر رحلة سفر رافقته فيها قبل أكثر من عقد وكان معنا الدكتور محمود شاهين ملك الترجمة، وفي إحدى الأمسيات في الفندق روى لي حكاية المراهقة اللبنانية فقال إنه أثناء أمسيته اللبنانية الأولى بعد الخروج من بيروت التي لقيت حضوراً مميزاً لاحظ بين الحضور فتاة تجلس في الصف الأول وتحملق فيه وكانت قد ألقت حقيبة ظهر عند قدميها، ولا ترفع ناظريها عنه، فتعجب من هذا التركيز الصنمي، وبعد الأمسية وبينما كان في طريقه إلى حجرة لاستقبال الأصدقاء والمعجبين، اقتربت منه الفتاة وطلبت بإلحاح وبمظهر طفولي أن تقابله في غرفة جانبية على انفراد فوافق لأنها كانت حسناء ومنفعلة جداً، وعندما انفردا قالت له إنها قدمت من إحدى القرى منذ أيام لحضور أمسيته وإنها إنما جاءت لتقول له إنها تريد أن تبقى معه كخادمة تعنى بشؤونه وتنفذ رغباته وطلباته فأمنيتها أن تعيش معه بأي صفة يريد. وضع درويش إصبعه على خده كما أذكر وقال: كانت ملاكاً حقيقياً فقلت لها بهدوء بعد أن أثنيت على جمالها، أنت فتاة تنتظرين البكالوريا السنة المقبلة وعليك أن تنجحي وتبني مستقبلك فلا مستقبل لك معي لأن المستقبل بالنسبة لنا انتهى. وودعها بلطف وظنها اقتنعت. هل لرجل يعطف كأب على فتاة لا يعرفها أن يتنكر لأبوته!

ويختم البرغوثي حديثه لـ «عكاظ» قائلاً: بعد وفاة درويش عجت الصحف بمقالات الرثاء وكتبت في حينه أنني اكتشفت أن درويش لم يكن يكتب شعره إلا بعد أن يأخذ رأياً للصديق فلان ولا يتناول طعامه دون أن يكون مع فلان، ولا يرتدي قميصه دون أن تختاره فلانة، ولا ينام إلا بعد أن يستأذن علان. فالذين كتبوا عنه أشار كل واحد منهم إلى أنه الصديق الوحيد له وما عداه كانوا مجرد معارف.